الخميس، أغسطس 09، 2012

قصة مؤمن آل فرعون ودلالاتها التربوية

قصة مؤمن آل فرعون ودلالاتها التربوية 
قال الله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون
رجلاً أن يقول ربي اللهوقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)
 يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما اهديكم إلا سبيل الرشاد· وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب· مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد· ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد· يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد· ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب· الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار· وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب· أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب· وقال الذي آمن يا قوم اتَّبعونِ أهدكم سبيل الرشاد· يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار· من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها فيها بغير حساب· ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار· تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار· لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار· فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد· فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) (غافر: 28 ـ 45
وقد سبق تلك الآيات الكريمة قول الله تعالى (وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) قال موسى ذلك عندما أراد فرعون قتله وعندما استعاذ موسى بالله فبعث الله سبحانه وتعالى إنساناً أجنبياً يدافع عنه ويحاول إزالة الشر عنه وقد اختلف في ذلك على الرجل الذي كان من آل فرعون فقيل إنه كان ابن عم له، وكان جارياً مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل كان قبطياً من آل فرعون وما كان من أقاربه وقيل أنه كان من بني إسرائيل·
وقد ذكر ذلك المؤمن أن الإقدام على قتل من يقول ربي الله غير جائز وهي حجة مذكورة على طريقة التقسيم، فقال إن كان هذا الرجل كاذباً كان وبال كذبه عائداً عليه فاتركوه وإن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم، فعلى التقديرين كان الأولى إبقاؤه حياً·
وتقدير الكلام أن يقال أنه لا حاجة بكم ـ لدفع شره ـ إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه من إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذباً حينئذ لا يعود ضرره إلا عليه، وإن يك صادقاً انتفعتم به وقد حكى الله تعالى عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه والذي يكتم كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون؟ ولهذا السبب حصل هنا قولان:
القول الأول: أن فرعون لما قال (ذروني أقتل موسى) لم يصرح ذلك المؤمن بأنه على دين موسى بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل موسى لأنه لم يصدر عنه إلا أن دعا إلى الله وأتى بالمعجزات الباهرة وهذا لا يوجب القتل، والإقدام على قتله يوجب الوقوع باقي الكلمات بل الأولى أن يؤخر قتله وأن يمنعه من إظهار دينه لأنه على هذا التقدير إن كان كاذباً كان وبال كذبه عائداً إليه، وإن كان صادقاً حصل الانتفاع به من كل الوجوه·
ثم أكد ذلك بقوله تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب فأوهم فرعون أنه أراد بقوله تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) أنه يريد موسى وهو إنما كان يقصد به فرعون لا موسى فالمسرف الكذاب هو فرعون·
القول الثاني: أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه أولاً، فلما قال فرعون (ذروني أقتل موسى) أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى وشافه فرعون بالحق·
وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى (لعلي أبلغ الأسباب· أسباب السموات) أن المراد بأسباب السموات طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها وكل ما أدرى إلى شيء فهو سبب كالرشاد ونحوه والمقصود بـ >الصرح< هو البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشيء أي ظهر وأسباب السموات >طرقها
وبعدما حكى الله تعالى عن فرعون هذه القصة قال بعدها (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) وقد قرأ البعض (صد) بضم الصاد والبعض الآخر (صد) بفتحها مما يدل على أنه منع الناس عن الإيمان·
والآيات (38 ـ 45) من بقية كلام الذي آمن من آل فرعون وكان يدعوهم إلى الإيمان بموسى والتمسك بطريقته، واعلم أنه نادى في قومه ثلاث مرات في المرة الأولى دعاهم إلى قبول ذلك الدين على سبيل الإجمال، وفي المرتين الباقيتين على سبيل التفصيل، أما الإجمال فهو قوله (يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد) وليس المراد بقوله تعالى (اتبعوني) طريقة التقليد لأنه قال بعده (أهدكم سبيل الرشاد) والهدى هو الدلالة ومن بين الأدلة للغير يوصف بأنه هداه، وسبيل الرشاد هو سبيل الثواب والخير وما يؤدي إليه، لأن الرشاد نقيض الغي وفيه تصريح بأن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي·

وأما التفصيل فهو بين حقارة حال الدنيا وكمال حال الآخرة أما حقارة الدنيا ففي قوله تعالى (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاّع) والمعنى أنه يستمتع بهذه الحياة في أيام قليلة ثم تنقطع وتزول، وأما الآخرة فهي دار القرار والبقاء والدوام وحاصل الكلام أن الآخرة باقية ودائمة والدنيا منقضية منقرضة والدائم خير من المنقضي·
ثم إنه تعالى لما بين أن جزاء السيئة مقصور على المثل بين أن جزاء الحسنة غير مقصور على المثل بل هو خال عن الحساب فقال تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) وهنا يقول البعض أنه من عمل صالحاً واحداً من الصالحات فإنه يدخل الجنة ويرزق فيها بغير حساب والآتي بالإيمان والمواظب على التوجيه والتقديس مدة ثمانين سنة قد أتى بأعظم الصالحات وبأحسن الطاعات فوجب أن يدخل الجنة ويرى المعتزلة أن مرتكب الكبيرة غير مؤمن فلا يدخل الجنة·
واختلف في تفسير قوله تعالى (يرزقون فيها بغير حساب) فمنهم من قال لما كان لا نهاية لذلك الثواب قيل بغير حساب وقال الآخرون لأنه تعالى يعطيهم ثواب أعمالهم ويضم إلى ذلك الثواب من أقسام التفضل ما يخرج عن الحساب وقوله تعالى واقع في >إلا مثلها< يعني أن جزاء السيئة له حساب وتقدير لئلا يزيد عن الاستحقاق فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وحساب بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة·
ثم استأنف ذلك المؤمن ونادى في المرة الثالثة وقال (يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) يعني أنا أدعوكم إلى الإيمان الذي يوجب النجاة وتدعونني إلى الكفر الذي يوجب النار، ولما ذكر ذلك المؤمن أنه يدعوهم إلى النجاة وهم يدعونه إلى النار فسر ذلك بأنهم يدعونه إلى الكفر بالله وإلى الشرك به، أما الكفر بالله فلأن الأكثرين من قوم فرعون كانوا ينكرون وجود الله ومنهم من كان يقر بوجود الله إلا أنه كان يثبت عبادة الأصنام·
وقوله تعالى (وأشرك به ما ليس لي به علم) المراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكاً للإله، ولما بين أنهم يدعونه إلى الكفر والشرك بين أنه يدعوهم إلى الإيمان بالعزيز الغفار فقوله تعالى (العزيز) إشارة إلى كونه كامل القدرة وفيه تنبيه على أن الإله هو الذي يكون كامل القدرة أما فرعون فهو في غاية العجز فكيف يكون إلهاً؟ وأما الأصنام فإنها أحجار منحوتة فكيف يعقل القوم بأنها آلهة؟ ولما بالغ مؤمن آل فرعون في شرح أدلته ختم كلامه بخاتمة لطيفة فقال تعالى (فستذكرون ما أقول لكم) وهذا الكلام مبهم يحتمل أن يكون المراد أن هذا الذكر يحصل في الدنيا وهو وقت الموت وأن يكون في القيامة وقت مشاهدة الأهوال وبالجملة فهو تحذير شديد·
ثم قال تعالى (وأفوض أمري إلى الله) وهذا كلام من هدد بأمر يخافه فكأنهم خوفوه بالقتل وهو أيضاً خوفهم بقوله تعالى (فستذكرون ما أقول لكم)· ثم قال تعالى (إن الله بصير بالعباد) أي عالم بأحوالهم وبمقادير حاجاتهم وهنا آخر كلام مؤمن آل فرعون·
ثم قال تعالى (فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) لما بين الله تعالى أن ذلك الرجل لم يقصر في تقدير الدين الحق وفي الذود عنه فالله تعالى رد عنه كيد الكافرين وقصد القاصدين وقوله تعالى (فوقاه الله سيئات ما مكروا) يدل على أنه لما صرح بتقرير الحق فقد قصدوه بنوع من أنواع السوء· فقال مقاتل لما ذكر هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه فلم يقدروا عليه، وقال تعالى (وحاق بآل فرعون) أي أحاط بهم (سوء العذاب) أي أغرقوا في البحر وقيل المراد به النار المذكورة في قوله تعالى (النار يعرضون عليها
ثالثاً: المضامين التربوية في تلك القصة:
حفلت قصة مؤمن آل فرعون بالكثير من القيم التربوية التي نشير إلى بعضها فيما يلي:
أولاً: حرص الفرد على صالح جماعته التي ينتمي إليها:
توضح تلك القصة مدى حرص مؤمن آل فرعون على ما فيه صالح قومه وخوفه الشديد عليهم من أن يتمادوا في تكذيبهم لموسى عليه السلام ومحاربتهم لدعوته ومساندتهم لفرعون وتصديقه إياه فيما يدعيه من ألوهية ويتضح ذلك الحرص في أكثر من موطن فنجده في قوله تعالى (يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) (غاقر: 30) وأيضاً في قوله تعالى (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) (غافر: 32
وهذا دليل على حرص ذلك الرجل على قومه من أن يحل بهم عذاب الله أو ينزل عليهم سخطه·
وتتمثل الثمرة التربوية من هذا المضمون في ضرورة حرص الفرد على صالح جماعته التي ينتمي إليها لأن في هذا الحرص دليل الانتماء الصادق فعلى كل فرد أن يحاول جاهداً تصحيح مسار جماعته لما فيه خيرها وخيره وأن يحرص دائماً على ما فيه صالحها وعليه أن يواجه ما قد يصادفه من معارضة نتيجة لعدم إدراكهم الجيد لمجريات الأمور بالحوار والإقناع كما فعل مؤمن آل فرعون مع قومه، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في الصبر على قومه حين قال >اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
ثانياً: الاعتبار مما حدث للآخرين:
فيتضح من هذه القصة استعادة مؤمن آل فرعون ما حدث للأمم السابقة ـ نتيجة تكذيبهم الرسل وتماديهم في الكفر ـ في هداية قومه فذكرهم بما حدث لكل من قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود، ويسوق الباحث الآيات التالية التي توضح ما حدث لتلك الأمم، فقد أغرق الله قوم نوح فقال تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً) (نوح: 25
أما ثمود فقال الله فيهم (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) (الحاقة: 5
وأما عاد فقال فيهم (وأما عاد فأهلكوا بريح صرير عاتية) (الحاقة: 6) وعليه فإن مؤمن آل فرعون يريد من قومه أن يعتبروا بما حدث للأمم السابقة وألا يقعوا في مثل أخطائهم من التكذيب والعناد لأن الله تعالى قادر على أن ينزل عقابه بهم كما فعل مع سابقيهم·
وتتمثل الثمرة التربوية هنا في ضرورة اعتبار الأفراد بما يحدث للأمم الأخرى أو الأفراد الآخرين فلا تتكرر نفس الأخطاء التي أدت إلى هلاك الآخرين وإلحاق الضرر بهم وهذا يتطلب ضرورة دراسة التاريخ دراسة واعية حتى نستقي منه العبر ونحتاط لأنفسنا حتى لا نقع في محظور وقع فيه غيرنا فالقاعدة أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون وليس من حيث بدأ الآخرون·
ثالثاً: الشورى في الرأي ونبذ الاستبداد به:
حيث توضح هذه القصة محاولة فرعون في قتل موسى ويظهر هذا في قول الله تعالى (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فهو يتصور ـ وهذه وجهة نظره التي يحاول فرضها على الجميع ـ أن في قتل موسى طريق الرشاد والهداية لقومه· وتكمن الثمرة التربوية هنا في ضرورة أن يكون الأمر شورى بين أفراد الجماعة وألا ينفرد شخص معين باتخاذ قرارات تخص جماعة معينة دون التشاور معها وألا يحكم فرد ما بأن ما يراه هو الصواب دائماً ولكن لابد من الإيمان بأن رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأى الآخرين خطأ يحتمل الصواب وبالتالي فلابد من نبذ الاستبداد في الرأى وتبني الشورى والديمقراطية وفي ذلك قال الشاعر:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
رابعاً: ضرورة الاستناد إلى العلم في المحاورة والنقاش:
أوضحت الآيات في هذه القصة أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا علم يصيبهم مقت الله وخزيه ونجد ذلك في قول الله تعالى (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا) (غافر: 35
وتتمثل الثمرة التربوية في هذا المضمون في ضرورة الاستناد إلى العلم والحقائق العلمية في الحوار والمناقشة وألا يفتي الفرد بغير علم كالذابح بغير سكين وأن الذي يستند في مناقشاته إلى الحقائق العلمية يكون أكثر قدرة على إقناع الآخرين من ذلك الذي يجادل بغير علم·
خامساً: عدم الاعتماد على الحواس وحدها في اكتساب المعارف:
يتضح من خلال هذه القصة أن فرعون عندما أراد أن يتأكد من قول موسى عليه السلام بوجود إله اعتقد أن هذا الإله يوجد في السماء فأراد أن يتأكد بحاسة البصر من هذا الإله موجود فطلب من وزيره أن يبني له بناءً عظيماً في ارتفاعه حتى يصعد عليه ليصل إلى هذا الإله ويتضح ذلك في قول الله تعالى (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب·

أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) وورد ذلك في سورة القصص في قوله تعالى (فاوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى) (القصص: 83)· وتتمثل الثمرة التربوية في هذا المضمون في عدم الاقتصار على الحواس وحدها في اكتساب المعرفة ذلك لأن هناك وسائل أخرى لاكتساب المعرفة غير الحواس فهناك العقل، الحدس، الإلهام، الإخبار عن طريق الغير فلا يعني عدم قدرتنا على إدراك وجود الله عن طريق حاسة البصر أن الله سبحانه وتعالى غير موجود فهو موجود بالفعل ولكن لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير·
سادساً: الزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة:
يتضح أيضاً من حديث مؤمن آل فرعون إلى قومه حرصه على أن يظهر لهم حقارة الدنيا وأنها فانية وزائلة وأن الآخرة هي الباقية فلا ينبغي أن يشتروا الفانية ويبيعوا الباقية ويتضح ذلك في قوله تعالى: (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) (غافر: 93)· ولقد قال بعض العارفين: (لو كانت الدنيا ذهباً فانياً وكانت الآخرة فضة باقية لكانت الآخرة أفضل
وتتمثل الثمرة التربوية في هذا المضمون في ضرورة الزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة فلا ينبغي أن تكون الدنيا هي أكبر همنا ومبلغ علمنا لأن الحرص على الدنيا والانغماس في شهواتها وملذاتها والطلب الدائم لنعيمها الفاني والجري وراء زخرفها الزائل كل هذا يباعد بين الإنسان وربه، وينسيه آخرته فلا يراقب الله في أعماله، ولا يبالي من أي طريق يكسب المال الذي يساعده على الاستمتاع بالدنيا وكل هذا يؤثر تأثيراً سلبياً في المجتمع حيث يتحول إلى مجتمع مادي تختفي فيه الروحانية وتنتشر فيه الأنانية وحب النفس وينسى الناس ربهم فينسيهم أنفسهم·
سابعاً: استخدام العقل في المفاضلة بين الأشياء:
وذلك ما توضحه هذه القصة في محاولة مؤمن آل فرعون إظهار الفارق بين الدنيا الفانية والآخرة الباقية وبين جزاء من يعمل الصالحات وجزاء من يعمل السيئات وبين دعوته إياهم إلى عبادة الله والإىمان به وهذا ما يؤدي بهم إلى الجنة وبين دعوتهم إياه للكفر بالله وهذا ما يؤدي به وبهم إلى النار·
وتتمثل الثمرة التربوية في هذا المضمون في ضرورة تحكيم العقل في المفاضلة بين الأشياء والأمور وأن تخضع الأشياء للتحليل والوقوف على المزايا والعيوب بطريقة موضوعية حتى نحسن الاختيار وألا يقع اختيارنا على شيء ثم نعود ونندم حيث لا ينفع الندم·
ثامناً: اللجوء إلى الله وقت الشدة:
فعندما قال ذلك الرجل المؤمن ما قال لقومه خوفوه بالقتل وهنا لم يجد ملجأً إلا الله فقال: (وأفوض أمري إلى الله) (غافر: 44) وبالفعل فقد نجاه الله من كيدهم فقال تعالى (فوقاه الله سيئات ما مكروا) (غافر: 45
وتتمثل الثمرة التربوية في هذا المضمون في ضرورة الاستعانة بالله في وقت الشدة لأنه هو وحده القادر على كشف الضر، ورفع البلاء فهو القائل في كتابه العزيز (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) وهذا يطلب أن يكون الفرد دائماً في كنف الله تعالى وبالتالي يكون الله تعالى دائماً معه ومن كان الله معه فمن عليه·
تاسعاً: الجرأة في الحق:
وذلك يظهر جلياً في القصة كاملة فذلك الرجل المؤمن لم يأبه بفرعون وجبروته وعشيرته وأعوانه ولم يثنه تهديد فرعون لموسى بالقتل من أن يدافع عن الحق بكل جرأة وبكل شجاعة لا يخشى في الله لومة لائم أو جبروت طاغية أو كثرة ظالمة أو أن يراد به مثلما أراد فرعون بموسى·
وعليه فإن الثمرة التربوية هنا تتمثل في نبذ الجبن والدفاع عن الحق وعدم منافقة الحكام أو رؤساء العمل أو أن نعين ظالماً على ظلمه خوفاً من بأسه وجبروته وأن نكون دائماً في جانب الحق مهما كانت النتائج
وبهذا نكون قد توصلنا إلى الإجابة عن التساؤل الرئيس للبحث حيث تبين أن المضامين التربوية في قصة مؤمن آل فرعون تتلخص في:
1 ـ حرص الفرد على صالح جماعته التي ينتمي إليها·
2 ـ الاعتبار بما يحدث للآخرين·
3 ـ الشورى في الرأي ونبذ الاستبداد به·
4 ـ ضرورة الاستناد إلى العلم في المحاورة والنقاش·
5 ـ عدم الاعتماد على الحواس وحدها في اكتساب المعارف·
6 ـ الزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة·
7 ـ استخدام العقل في المفاضلة بين الأشياء·
8 ـ اللجوء إلى الله وقت الشدة·
9 ـ الجرأة في الحق· 

تابعونى
فيس بوك :
https://www.facebook.com/kera2at


قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج


.: قصة ذو القرنين :.

قصة "ذو القرني" العجيبة:
إن مجموعة من قريش قررت اختبار الرسول الأكرم (صلى الله علية و سلم )، وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هي: تأريخ الفتية من أصحاب الكهف.

السؤال عن ماهية الروح، أما القضية الثالثة فقد كانت حول "ذو القرنين".

إن قصة "ذو القرنين" تدور حول شخصية أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم. وقد بذلت جهود ومساعي كثيرة للتعرف على هذه الشخصية.

وسنقوم أولاً بذكر قصة ذي القرنين حيث أن حياته مع قطع النظر عن جوانبها التاريخية بمثابة درس كبير ومليء بالعبر، ثم ننتقل إلى بحوث لمعرفة شخصية ذي القرنين نفسه مستفيدين في ذلك من الروايات الإسلامية، ومما أشار إليه المؤرخون في هذا الصدد.

بتعبير آخر: إن ما يهمنا أولاً هو الحديث عن شخصية ذي القرنين، وهو ما فعله القرآن، حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ﴾.

إن بداية الآية تبين لنا قصة "ذو القرنين" كانت متداولة ومعروفة بين الناس، ولكنها كانت محاطة بالغموض والإبهام، لهذا السبب طالبوا الرسول الأكرم (ص) الإدلاء حولها بالتوضيحات اللازمة.

وفي إستئناف الحديث عن ذي القرنين يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾. أي منحناه سبل القوة والقدرة والحكم.

﴿ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا {84} فَأَتْبَعَ سَبَبًا {85} حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ فرأي أنها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آجن: ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾.

(حمئة) تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة، أو الماء الآسن الموجود في المستنقعات. وهذا الوصف يبين لنا بأن الأرض التي بلغها "ذو القرنين" كانت مليئة بالمستنقعات، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بأن الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات، تماماً كما يشعر بذلك مسافر البحر، وسكان السواحل الذين يشعرون بأن الشمس قد غابت في البحر أو خرجت منه!.

﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا﴾ أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم: ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾(1).

بعد ذلك يحكي القرآن جواب "ذى القرنين" الذي قال: ﴿ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا﴾. أي إن الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.

﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى﴾... ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾.

أي أننا سنتعامل معه بالقول الحسن، فضلا عن أننا سنخفف عنه ولا نجعله يواجه المشاكل والصعاب، بالإضافة إلى أننا سوف لن نجبي منه ضرائب كثيرة.

والظاهر أن ذا القرنين أراد من ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي إلى التوحيد والإيمان والنهي عن الظلم والفساد إلى مجموعتين، الأولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإلهي ودعوته للتوحيد والإيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة. أما الثانية: فستتخذ موقفاً عدائياً من دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها. وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشد العقاب.

وعندما إنتهى "ذو القرنين" من سفره إلى الغرب توجه إلى الشرق حيث يقول القرآن في ذلك: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾أي استخدم الوسائل والإمكانات التي كانت بحوزته.

﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾. وهنا رأى أنها: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا﴾. وفي اللفظ كناية عن أحياء هؤلاء الناس بدائية جداً، ولا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم من الشمس. (2)

﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ (3). هكذا كانت أعمال "ذو القرنين" ونحن نعلم جيداً بإمكاناته.

كيف تم بناء سد ذي القرنين؟
القرآن الكريم يشير إلى سفرة أخرى من أسفار ذي القرنين حيث يقول: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾. أي بعد هذه الحادثة استفاد من الوسائل المهمة التي كانت تحت تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إلى موضع بين جبلين: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾.

إشارة إلى أنه وصل إلى منطقة جبلية، وهناك وجد أناساً (غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دانٍ من المدينة، لأن الكلام أحد أوضح علائم التمدن لدى البشر. (4)

في هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجيء ذي القرنين، لأنهم كانوا في عذاب شديد من قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منه قائلين: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾.

قد يكون كلامهم هذا تم عن طريق تبادل العلامات والإشارات، لأنهم لا يفهمون لغة ذي القرنين، أو أنهم تحدثوا معه بعبارات ناقصة لا يمكن الإعتداد بها. (5)

يمكن أن نستفيد أن تلك المجموعة من الناس كانت ذات وضع جيد من حيث الإمكانات الإقتصادية، إلا أنهم كانوا ضعفاء في المجال الصناعي والفكري والتخطيطي، لذا فقد تقبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم، بشرط أن يتكفل ذو القرنين ببنائه وهندسته.

أما ذو القرنين فقال: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾.

وعندما تهيأت قطع الحديد أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّي بين الجبلين بشكل كامل: ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾.

الأمر الثالث لذي القرنين هو طلبه منهم أن يجلبوا الحطب وما شابهه، ووضعه على جانبي هذا السد، وأشعل النار فيه ثم أمرهم بالنفخ فيه حتى احمرَّ الحديد من شدة النار: ﴿قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾.

لقد كان يهدف ذو القرنين من ذلك ربط قطع الحديد بعضها ببعض ليضع منها سداً من قطعة واحدة، وعن طريق ذلك، قام ذو القرنين بنفس عمل (اللحام) الذي يقام به اليوم في ربط أجزاء الحديد بعضها ببعض.

أخيراً أصدر لهم الأمر الأخير فقال: اجلبوا لي النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا السد: ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾.

وبهذا الشكل قام بتغطية هذا السد الحديدي بطبقة النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء ويحفظ من التآكل.

بعض المفسرين قالوا: إن علوم اليوم أثبتت أنه عند إضافة مقدار من النحاس إلى الحديد فإن ذلك سيزيد من مقدار مقاومته، ولأن "ذا القرنين" كان عالماً بهذه الحقيقة فقد أقدم على تنفيذه.

وأخيراً، أصبح هذا السد بقدر من القوة والإحكام بحيث: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾.

لقد كان عمل ذي القرنين عظيماً ومهماً، وكان له وفقاً لمنطق المستكبرين ونهجهم أن يتباهى به أو يمن به، إلا أنه قال بأدب كامل: ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي﴾ لأن أخلاقه كانت أخلاقاً إلهية.

إنه أراد أن يقول: إذا كنت أملك العلم والمعرفة وأستطيع بواسطتها أن أخطو خطوات مهمة، فإن كل ذلك إنما كان من قبل الخالق جل وعلا، وإذا كنت أملك قابلية الكلام والحديث المؤثر فذلك أيضاً من الخالق جل وعلا.

وإذا كانت مثل هذه الوسائل والأفكار في اختياري فإن ذلك من بركة الله ورحمته الخالق الواسعة.

أراد ذو القرنين أن يقول: إنني لا أملك شيئاً من عندي كي أفتخر به، ولم أعمل عملاً مهماً كي أمُنَّ على عباد الله.

ثم استطرد قائلاً: لا تظنوا أن هذا السد سيكون أبدياً وخالداً: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء﴾.
﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾(6).

لقد أشار ذو القرنين في كلامه هذا إلى قضية فناء الدنيا وتحطم هيكل نظام الوجود فيها عند البعث.

من هو ذو القرنين؟
ذكر المفسرون كلاماً كثيراً عن شخصية ذي القرنين الوارد في القرآن الكريم، فمن هو؟ وعلى أي واحد من الشخصيات التأريخية المعروفة تنطبق أوصافه ويمكن أن نرجع الآراء إلى ثلاث نظريات أساسية: (7)

وأخذت النظريات في هذا المجال وردت عن المفكر الإسلامي المعروف (أبو الكلام آزاد) الذي شغل يوماً منصب وزير الثقافة في الهند. وقد أورد رأيه في كتاب حققه في هذا  المجال. وطبقاً لهذه النظرية فإن ذا القرنين هو نفسه (كورش الكبير) الملك الأخميني.

لماذا سمي ذو القرنين بهذا الإسم؟
البعض يعتقد أن سبب التسمية تعود إلى وصوله للشرق والغرب، حيث يعبر العرب عن ذلك بقرني الشمس.
البعض الآخر يرى بأنه عاش قرنين أو أنه حكم قرنين، وأما ما مقدار القرن فهناك آراء مختلفة في ذلك.
البعض الثالث يقول: كان يوجد على طرفي رأسه بروز (قرن)، ولهذا السبب سمي بذي القرنين.
وأخيراً فإن البعض يعتقد بأن تاجه الخاص كان يحتوي على قرنين.

صفات ذي القرنين الممتازة
لو لاحظنا بدقة القرآن الكريم لاستفدنا أن ذا القرنين كانت له صفات ممتازة هي:

- هيأ له الله جل وعلا أسباب القوة ومقدمات الانتصار، وجعلها تحت تصرفه وفي متناول يده.

- لقد جهز ثلاثة جيوش مهمة: الأول إلى الغرب، والثاني إلى الشرق؛ والثالث إلى المنطقة التي تضم المضيق الجبلي، وفي كل هذه الأسفار كان له تعامل خاص مع الأقوام المختلفة حيث ورد تفصيل ذلك في الآيات السابقة.

- كان رجلاً مؤمناً تجلى فيه صفات التوحيد والعطف، ولم ينحرف عن طريق العدل، ولهذا السبب فقد شمله اللطف الإلهي الخاص، إذ كان ناصراً للمحسنين وعدوّا للظالمين، ولم يكن يرغب أو يطمع بمال الدنيا كثيراً.
- كان مؤمناً بالله وباليوم الآخر.

- لقد صنع واحداً من أهم وأقوى السدود، السد الذي استفاد لصنعه من الحديد والنحاس بدلاً من الطابوق والحجارة. (وإذا كانت هناك مواد أخرى مستخدمة فيه، فهي لا يعتبر شيئاً بالقياس إلى الحديد والنحاس) أما هدفه من بنائه فقد تمثل في مساعدة المستضعفين في قبال ظلم يأجوج ومأجوج.

- كان شخصاً مشهوراً بين مجموعة من الناس، وذلك قبل نزول القرآن، لذا فإن قريش أو اليهود سألوا رسول الله (ص) عنه، كما يصرح بذلك الكتاب العزيز في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾.

ولا يمكن الاستفادة بشيء من صريح القرآن للدلالة على أنه كان نبياً، بالرغم من وجود تعابير تشعر بهذا المعنى.
ونقرأ في العديد من الروايات الإسلامية الواردة عن الرسول (ص) وأئمة أهل البيت (ع) أنه: "لم يكن نبياً بل عبداً صالحاً".

أين يقع سد ذي القرنين؟
بالرغم من محاولة البعض المطابقة بين سد ذي القرنين وبين جدار الصين الذي لا يزال موجوداً ويبلغ طوله مئات الكيلومترات، إلا أن الواضح أن جدار الصين لا يدخل في بنائه الحديد ولا النحاس، ومضافاً إلى ذلك لا يقع في مضيق جبلي ضيق، بل هو جدار مبني من مواد البناء العادية ويبلغ طول مئات الكيلومترات، ومازال موجوداً حتى الآن.

البعض يرى في سد ذي القرنين أنه سد مأرب في اليمن، ولكن هذا السد برغم وقوعه في مضيق جبلي، إلا أنه أنشئ لمنع السيل ولخزن المياه، ولم يدخل النحاس والحديد في بنائه.

ولكن بالاستناد إلى شهادة العلماء وأهل الخبرة فإن السد – كما أشرنا لذلك قبل قليل – يقع في أرض القوقاز بين بحر الخزر والبحر الأسود، حيث توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل الشمال عن الجنوب، والمضيق الوحيد الذي يقع بين هذه الجبال الصخرية هو مضيق "داريال" المعروف، ويشاهد فيه جدار حديدي أثري حتى الآن، ولهذه الجحات يعتقد الكثيرون أنَّ سد "ذو القرنين" يقع في هذا المضيق، وأنَّ المتبقي من مواصفات آثاره دليل مؤيد لذلك.

الطريف في الأمر أنه يوجد نهر على مقربة من ذلك المكان يسمى "سائرس" أي "كورش" إذ كان اليونان يسمون كورش بـ (سائرس).

الآثار الأرمينية القديمة كانت تطلق على هذا الجدار اسم "بهاك كورائي" والتي تعني "مضيق كورش" أو "معبر كورش" وهذا دليل آخر على أن كورش هو الذي بنى السد.

من هم يأجوج ومأجوج؟
القرآن يؤيد بوضوح أن هذين الاسمين هما لقبيلتين همجيتين كانتا تؤذيان سكان المناطق المحيطة بهم.

ويقول العلامة الطباطبائي، في تفسير الميزان: إنه يستفاد من مجموع ما ذكر في التوراة أن مأجوج أو يأجوج ومأجوج هم مجموعة أو مجاميع كبيرة كانت تقطن أقصى نقطة في شمال آسيا، وهم أناس محاربون يغيرون على الأماكن القريبة منهم.

ثمة أدلة تاريخية على أنّ منطقة شمال شرقي الأرض في نواحي "مغولستان" كانت في الأزمنة السابقة كثيفة السكان، إذ كانت الناس تتكاثر بسرعة، وبعد أن ازداد عددهم اتجهوا نحو الشرق أو الجنوب، وسيطروا على هذه الأراضي وسكنوا فيها تدريجياً.

وقد وردت مقاطع تاريخية مختلفة لحركة هؤلاء الأقوام وهجراتهم.(8)

وفي عصر كورش في حوالي عام (500) قبل الميلاد قامت هذه الأقوام بعدة هجمات، لكن موقف حكومة "ماد وفارس" إزاءهم أدّى إلى تعتبر الأوضاع واستتباب الهدوء في آسيا الغربية التي نجت من حملات هذه القبائل.

وبهذا يظهر أن يأجوج ومأجوج هم من هذه القبائل الوحشية، حيث طلب أهل القفقاز من "كورش" عند سفره إليهم أن ينقدهم من هجمات هذه القبائل، لذلك أقدم على تأسيس السد المعروف بسد ذي القرنين.

تابعونى
فيس بوك :
https://www.facebook.com/kera2at