الأربعاء، يناير 18، 2012

غرباء في هذا الزمن


غرباء في هذا الزمن :
لفاروق جويدة
قالت:ألا ترى أننا أصبحنا أشجاراً غريبة جاءت في غير زمانها في هذا العالم العجيب
الذي لم يعد إلا بالحشائش والأشجار قصيرة القامة ؟
أليس من الغريب أن يصبح النخيل غريباً في أرضه ، وأن تصبح الأزهار عملة غير قابلة للتداول .. وأن تختفي العصافير خوفاً ...وتسود الغربان بهتاناً وزوراً.....
هذا زمان اختلت موازينه .
قلت : لو أصبح العالم كله أوكار غربان وخفافيش ،فسوف أظل أغنى ، فالعصافير خلقت للغناء ، والخفافيش خلقت لتكمل تلك الدائرة السوداء في ليالي الظلام الطويلة ،ومهما طالت ساعات الليل وطافت على العين الأشباح ، وارتفعت أعداد الغربان ،فلن ينسى الناس أصوات العصافير . إن قبح الغربان يزيدني إيماناً بجمال العصافير ... ولولا القبح عرف الإنسان الجمال .
قالت :ولكن الناس تنسى ....
في زحام القبح قد ننسى الأشياء الجميلة وفي دوامات الإحباط قد يهجرنا الأمل ...
وفي غيبة العصافير يعتاد الناس على قبح الغربان ...
إن أسوأ الأشياء في الإنسان أن يعتاد على القبح .
قلت: أنا أعتقد أن سعادة العصافير لأن الناس تحب غناءها ، فالمتعة الحقيقية أن العصفور يغني لنفسه أولاً . إنه يحاول أن يمتع نفسه . إن العصفور لا يجد حوله – مثل ملعب الكرة – جماهير تصفق له وتردد اسمه . إنه يقف وحيداً على غصن شجرة بعيدة ويغني ...لأن الله خلقه للغناء ، وسوف يظل يغني سواء سمعه الناس أو لم يسمعوه .
فلا تحزني ياصديقتي إذا صرنا أغراباً كالعصافير ،وغنينا وحدنا ولم يسمعنا أحد...
قالت : ولكنني أكاد أشك في مثاليتك . هل هناك بشر يفكرون كما تفكر ، ويعيشون كما تعيش .؟
قلت : حينما تختل موازين الأشياء يصبح الجمال هو الاستثناء ويصير القبح هو القاعدة . فنقول فلان صادق، وكأن الكذب هو القاعدة ، والصدق هو الاستثناء ،وهذا زمان مختل ، فأنا لست مثالياً ، فكل إنسان يختار حياته . هناك من يقبل على نفسه أن يلقى في صناديق القمامة ، وهناك من يقبل أن يكون ذيلاً أو حامل مبخرة ، أو دجالاً في السيرك . وهناك أيضاً من يدفع عمره ولا يقبل أن يكون في غير مكانه ......
لقد اخترت أن أكون في مكاني حتى ولو كان الثمن كبيراً ....
قالت : تعلمت من الحياة أن البشر معادن . لكل معدن ثمنه . ولكل إنسان قيمه ، لن يتساوى الصفيح مع الذهب ، فنحن نصنع بالصفيح صناديق القمامة ، ونزين بالذهب صدور النساء . ولن يتساوى الزجاج مع الماس رغم أن كليهما يحمل البريق .....
فمهما زيفت مصانع الزجاج الألوان ، والأطياف ، فإن خبراء المجوهرات يعرفون المزيف من السليم . وكثير من الناس مازالت لديهم البصيرة لأن يدركوا أقدار البشر
 قالت : وهل الحب عملات مزيفة ؟
قلت : أكثر الأشياء زيفاً في عالم اليوم مشاعر البشر . كم من الابتسامات تخفي وراءها الخناجر ، وكم من الأحضان تخفي وراء الدفء كل ألوان الغدر ، وكم من أقوال في الحب لم تعرف للصدق طريقاً .
إن الحب من أكثر الأشياء التي فقدت بريقها بين الناس ، لأن الناس زوروه كثيراً ، هناك عشرات الأقنعة ، وخلف كل قناع تختفي أكذوبة كبرى .
قالت : إنك متشائم .
قلت : لست متشائماً ،ولكنني أحب الحياة ، ومشكلتي أنني أريد الحياة التي أحبها . أو بمعنى آخر أريد أن تصبح الحياة كما أحب .
قالت : وكيف أعرف الصدق والكذب في الحب ؟
قلت : هناك اختبار واحد اسمه الزمن ، لا يستطيع الإنسان أن يقاومه ، والصدق هو الشئ الوحيد القادر على مقاومة متغيرات الزمن ، فكل الأشياء تصدأ إلا الصدق .. فاتركي الحب للزمن لأنه سيبقى إذا كان يستحق الحياة .
قالت : وكيف أعرف أنك تحبني ؟ ربا تكون مزيفاً كالآخرين .
قلت : اتركي إحساسنا للزمن ، فلن أحتمل أن أبقى معك لحظة زيف واحدة . وإذا وجدتها تتسلل إلى قلبي يوماً فسوف أقول لك بكل الصدق : لم أعد قادراً على أن أحبك كما كنت . لا تحزني يومها لأنني أحترم صدقي . كما أحترم حبي .
 وماذا يساوي الحب إذا مات الصدق فيه ؟


تابعونى
تويتر
https://twitter.com/#!/kera2at

هناك تعليق واحد: