الخميس، يوليو 19، 2012

آدم علية السلام


آدم علية السلام
علة خلق آدم (ع ) 
يروى أن الأرض كانت، قبل خلق آدم (ع)، معمورة بالجن والنسناس والسباع، وغيرها من الحيوانات، وأنه كان لله فيها حجج وولاة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وحدث أن طغت الجن وتمردوا، وعصوا أمر ربهم. فغيروا وبدلوا، وأبدعوا البدع، فأمر الله سبحانه الملائكة، أن ينظروا إلى أهل تلك الأرض، وإلى ما أحدثوا وأبدعوا، إيذاناً باستبدالهم بخلق جديد، يكونون حجة له في أرضه، ويعبد من خلالهم.
ثم إنه سبحانه وتعالى قال لهم: {إني جاعلٌ في الارض خليفة}. فقالوا: سبحانك ربنا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما أفسدت الجن؟ فاجعل الخليفة منا نحن الملائكة، فها نحن {نسبِّحُ بحمدك ونقدِّسُ لك}، ونطيعك ما تأمرنا. فقال عزّ من قائل: {إنّي أعلمُ مالاتعلمون}.
وبعث اللهُ الملك جبرائيل (ع) ليأتيهُ بترابٍ من أديم الأرض، ثم جعله طيناً، وصيَّرهُ بقُدرتهِ كالحمإ المسنون، ثم كالفخّار، حيث سوّاه ونفخ فيه من روحه، فإذا هو بشرٌ سويّ، في أحسن تقويم.
خلق حواء وزواج آدم منها
سمّى اللهُ سبحانه وتعالى مخلوقه الجديد، آدم، فهو الذي خلقه من أديم الأرض، ثم إنه عزّوجلّ، خلق حوّاء من الطين الذي تبقى بعد خلق آدم وإحيائه.
ونظر آدم (ع) فرأى خلقاً يشبهه، غير أنها أنثى، فكلمها فردت عليه بلغته، فسألها: "من تكون؟" فقالت: "خلق خلقني الله".
وعلَّم اللهُ آدمَ الأسماء كلها، وزرع في نفسه العواطف والميول، فاستأنس بالنظر إلى حوّاء والتحدث إليها، وأدناها منه، ثم إنّهُ سألَ الله تعالى قائلاً: "ياربّ من هذا الخلقُ الحسن، الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟!" وجاءه الجواب: "أن ياآدم، هذه حوّاء.. أفتحبُّ أن تكون معك، تؤنسك وتحادثك وتأتمر لأمرك؟" فقال آدم (ع): "نعم ياربّ، ولك الحمدُ والشكرُ مادمتُ حيا." فقال عزّوجلّ: "إنّها أمتي فاخطبها إليّ". قال آدم (ع): "يارب، فإني أخطبها إليك، فما رضاك لذلك؟" وجاءه الجواب: "رضاي أن تعلمها معالم ديني.." فقال آدم(ع): "لك ذلك يارب، إن شئت".
 فقال سبحانه: "قد شئت ذلك، وأنا مزوجها منك".  فقبل آدم بذلك ورضي به.
تكريم الله لآدم ورفض إبليس السجود له
أراد الله عزوجل، أن يعبد من طريق مخلوقه الجديد، فأمر الملائكة بالسجود إكراماً له، بمجرد أن خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه، فخرت الملائكة سُجّداً وجثيّا.
وكان إبليس، وهو من الجن، كان في عداد الملائكة حينما أمرهم الله بالسجود إكراماً لآدم(ع). وكان مخلوقاً من النار، شديد الطاعة لربّه، كثير العبادة له، حتى استحق من الله أن يقربه إليه، ويضعه في صف الملائكة... ولكن إبليس عصى هذه المرّة الأمر الإلهي، بالسجود لأدم(ع)، وشمخ بأنفه، وتعزز بأصله، وراح يتكبر ويتجبر، وطغى وبغى، وظل يلتمس الأعذار إلى الله سبحانه، حتى يعفيه من السجود لآدم(ع ) 
وما فتئ يتذرّعُ بطاعته لله وعبادته له، تلك العبادة التي لم يعبد الله مثلها ملكٌ مقرَّب، ولانبيٌّ مرسل... وأخذ يحتجُّ بأنّ الله خلقه من نار، وأن آدم مخلوق من تراب، والنار خير من التراب وأشرف: {قال: أنا خيرٌ منه، خلقتني من نارٍ وخلقته من طين}. {أأسجد لمن خلقت طينا } 
ولما كان الله سبحانه وتعالى، يريد أن يُعبَدَ كما يُريد هو، ومن حي يريد، لاكما يريد إبليس اللعين هذا، صب عليه سوط عذاب، وطرده من الجنة، وحرّمها عليه، ومنعه من اختراق الحجب، التي كان يخترقها مع الملائكة (ع).
ولما رأى إبليس غضب الخالق عليه، طلب أن يجزيه الله أجر عبادته له آلاف السنين، وكان طلبُه أن يمهله الله سبحانه في الدنيا إلى يوم القيامه، وهو ينوي الإنتقام من هذا المخلوق الترابي، الذي حُرِمَ بسببه الجنة، وأصابته لعنة الله. كما طلب أيضاً، أن تكون له سلطة على آدم وذريّته، وظلّ يكابر ويعاند، ويدّعي أنّهُ أقوى من آدم، وخير منه: {قال: أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ، لئِنْ أخّرتنِ إلى يوم القيامة، لأحتنكنَّ ذريته إلاّ قليلاً } 
آدم (ع) يستعين بالله
أعطى الله سبحانه وتعالى، أعطى إبليس اللعين ماطلبه وأحبه من نعيم الدنيا، والسلطة على بني آدم الذين يطاوعونه، حتى يوم القيامة، وجعل مجراه في دمائهم، ومقرّه في صدورهم، إلا الصالحين منهم، فلم يجعل له عليهم سلطانا: {قال: إذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا... إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا } 
وعرف آدم ذلك، فلجأ إلى ربّه مستعصما، وقال: "يا ربّ! جعلت لإبليس سلطة عليّ وعلى ذرّيتي من بعدي، وليس لقضائك رادٌّ إلاّ أنت، وأعطيته ما أعطيته، فما لي ولولدي مقابل ذلك؟" فقال سبحانه وتعالى: "لك ولولدك: السيئة بواحدة، والحسنة بعشرة أمثالها" فقال آدم (ع): "متذرعاً خاشعا: يارب زدني، يارب زدني". فقال عزّوجلّ: "أغفِرُ ولاأُبالي" فقال آدم  (ع) "حسبي يارب، حسبي". 
نسيان آدم وحواء وخطيئتهما
أسكن الله سبحانه آدم وحواء الجنة، بعد تزويجهما:
{وإذ قلنا ياآدم أسكن أنت وزوجك الجنة} وأرغد فيها عيشهما، وآمنهما، وحذّرهما إبليس وعداوته وكيده، ونهاهما عن أن يأكلا من شجرة كانت في الجنة، تحمل أنواعاً من البر والعنب والتين والعناب، وغيرها من الفواكه مما لدّ وطاب: {وكلا منها رغداً حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}.
وجاءهما الشيطان بالمكر والخديعة، وحلف لهما بالله أنه لهما لمن الناصحين، وقال: إني لأجلك ياآدم، والله لحزين مهموم... فقد أنست بقربك مني... وإذا بقيت على هذا الحال، فستخرج مما أنت فيه إلى ما أكرهه لك.
نسي آدم(ع) تحذير الله تعالى له، من إبليس وعداوته، وغرّه تظاهر إبليس بالعطف عليه والحزن لأجله، كما زعم له، فقال لإبليس: "وما الحيلة التي حتى لاأخرج مما أنا فيه من النعيم؟" فقال اللعين: "إنّ الحيلة معك:" {أفلا أدلك على شجرة الخلد ومُلكٍ لايبلى}؟ وأشار الى الشجرة التي نهى الله آدم وحوّاء عن الأكل منها، وتابع قائلاً لهما: {مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}.
وازدادت ثقة آدم(ع) بإبليس اللعين، وكاد يطمئن إليه وهو العدوّ المبين، ثم إنّه استذكر فقال له: "أحقاً ماتقول": فحلف إبليس بالله يميناً كاذباً، أنّهُ لآدم من الناصحين، وعليه من المشفقين، ثم قال له: "تأكل من تلك الشجرة أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنة إلى الأبد".
لم يظنّ آدمُ(ع)، أنّ مخلوقاً لله تعالى يحلف بالله كاذباً، فصدقه، وراح يأكل هو وحوّاء من الشجرة، فكان ذلك خلاف ما أمرهما به الله سبحانه وتعالى.
الخروج من الجنة
ماكاد آدم وحوّاءُ، يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، حتى نادى منادٍ من لدن العرش الإلهي، أن: "ياآدم، اخرج من جواري، فإنه لايُجاوِرُني مَن عصانيْ".
وبكى آدم(ع) لما سمع الأمر الإلهيّ له بالخروج من الجنة... وبكت الملائكة لهذا المخلوق الذي سجدت له تكريماً. فبعث الله عزّ وجلّ جبرائيل(ع)، فأهبط آدم إلى الأرض، وتركه على جبل سرنديب في بلاد الهند، وعاد فأنزل حوّاء إلى جُدَّة..
ثم أنّ الله سبحانه وتعالى، أمر آدم أن يتوجّه من الهند إلى مكة المكرّمة، فتوجّه آدم إليها حتى وصل إلى الصفا... ونزلت حواء بأمر الله إلى المروة، حتى التقيا من جديد في عرفة. وهناك دعا آدم ربّه مستغفراً: اللهم بحق محمد وآله والأطهار، أقلني عثرتي، واغفر لي زلتي، وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها.
الرحمة والغفران
{
وتلقى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه}.
وأوحى الله عزوجلّ إلى جبرائيل(ع): إني قد رحمت آدم وحوّاء، فاهبط عليهما بخيمةٍ من خيم الجنة، واضربها لهما مكان البيت وقواعده، التي رفعتها الملائكة من قبل، وأنرها لهما بالحجر الأسود. فهبط جبرائيل(ع) بالخيمة ونصبها، فكان المسجد الحرام منتهى أوتادها، وجاء بآدم وحواء إليها.
ثم إنّه سبحانه أمر جبرائيل بأن يُنَحّيهما منها، وأن يبني لهما مكانها بيتاً بالأحجار، يرفع قواعده، ويتم بناءه للملائكة والخلق من آدم وولده، فعمد جبرائيل إلى رفع قواعد البيت كما أمره الله.
وأقال الله آدم عثرته، وغفر زلته، ووعده بأن يعيده إلى الجنة التي أُخرج منها. وأوحى سبحانه إليه، أن: "ياآدم، إني إجمع لك الخير كله في أربع كلمات: واحدة منهن لي، أن تعبدني، ولاتشرك بي شيئاً، وواحدة منهن لك: أجازيك بعملك، أحوجَ ماتكون، وكلمة بيني وبينك: عليك الدعاء ومني الإجابة، وواحدة بينك وبين الناس من ذريتك، ترضى لهم ماترضى لنفسك.
وهكذا، أنزل الله على آدم(ع) دلائل الألوهية والوحدانية، كما علمه الفرائض والأحكام والشرايع، والسنن والحدود.
قابيل يقتل هابيل
كان قابيل أول أولاد آدم(ع). فلما أدرك سنّ الزّواج، أظهر الله سبحانه جنية يقال لها جهانة، في صورة إنسية، فلما رآها قابيل أحبها، فأوحى الله تعالى إلى آدم(ع) أن يزوجها من قابيل ففعل.
ثم لما ولد هابيل، الإبن الثاني لآدم (ع). وبلغ مبلغ الرجال، أهبط الله تعالى إحدى حوريّات الجنة، فرآها هابيل وأحبها، فأوحى الله لآدم (ع) أن يزوجه بها.
ثم إن الله سبحانه وتعالى، أمر نبيه آدم (ع)، أن يضع مواريث النبوة والعلم عند ولده هابيل، ويعرفه بذلك... ولما علم قابيل بذلك، غضب واعترض أباه قائلاً: "أنا أكبر من هابيل، وأنا أحق بهذا الأمر منه".
وتحيّر آدم(ع)، فأوحى الله إليه أن يقول لابنه قابيل: "يابني، إنّ الأمر لم يكن بيدي، وإنّ الله هو الذي أمرني بذلك، ولم أكن لأعصي أمر ربي ثانية، فأبوء بغضبه، فإذا كنت لاتصدقني، فليقرب كل واحدٍ منكما قرباناً إلى الله، وأيُّكما يتقبَّل الله قربانه، يكن هو الأولى، والأحق بالفضل ومواريث النبوة.
قدّم قابيل قرباناً من أيسر ملكه، وقدّم هابيل قربانه من أحسن ماعنده... فتقبل الله سبحانه قربان هابيل، بأن أرسل ناراً تركت قربان قابيل كما هو، ممّا أثار حفيظة قابيل، وأجّج نار الحقد في صدره.
ووسوس له الشيطان بأن: اقتل أخاك فينقطع نسله، وتُريحُ أولادك من بعدم إن كان لك ولد، ثم لايجد أبوك من يعطيه المواريث سواك، فتفوز بها، وذريتك من بعدك..
وسوّلت له نفسه قتل أخيه هابيل، فقتله... وكانت أوّل جريمة على وجه الأرض، نفّرَت الوحوش والسّباع والطيور، خوفاً وفرقا.
ولم يدر قابيل كيف يخفي جريمته... وماذا يصنع بجسد أخيه الملقى على الأرض بلا حراك؟... ويبعث الله تعالى غرابين يقتتلان في الجو، حتى يقتل أحدهما الآخر، ثم يهوي وراءه إلى الأرض، فيحفر، بمخالبه حفرة، يدفن فيها صاحبه، وقابيل ينظر ويرى.
أدرك قابيل عجزه وضعفه وقال: "ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغُراب فأواري سوأة أخي} وأدفنُ جُثّتهُ، كما دفن هذا الطائر الصغير الحقيرُ صاحِبُه المقتول؟! {فأصبح من النّادمين}.
ذرية آدم(ع)
ولد لآدم وحواء سبعون بطنا، على مايُروى، وكان أوّل أولادهما قابيل ثم هابيل اللذين لم ينجبا على مايبدو...
ولكن الله جلّ وعلا وهب لآدم وحوّاء إبنهما شيثا (هبة الله) ومن بعده ولد لهما يافث.. فلما أدركا وبلغا مبلغ الرجال، وأراد الله أن يبلغ بالنسل مانرى... وأن يكون ماقد جرى به القلم، من تحريم ماحرّم الله تعالى، من زواج الإخوة وبالأخوات أنزل سبحانه من الجنة حوريتين، هما نزلة ومنزلة، وأمر آدم أ، يزوجهما من شيث ويافث، فكان ذلك... وولد لشيث غلامٌ، وولدت ليافث جارية، فأمر الله تعالى أن يزوج آدم (ع) إبنة يافث من ابن شيث.
ولم يحرم الله آدم وحوّاء من الإناث، فقد رزقهما الله ابنة أسمياها عناق، تزوجت وولدت ولداً اسمه عوج، وصار فيما بعد جباراً شقياً، عدواً لله ولأوليائه، فسلط الله عليه وعلى أمه عناق من قتلهما.
وفاة آدم وحوّاء
انقضت أيام آدم(ع)، فأمره الله أن يوصي إلى ولده شيث، ويدفع إليه مواريث النبوة والعلم والآثار، وأمره بأن يكتم هذا الأمر عن قابيل، حتى لاتتكّرر الجريمة المأساة، ويقتله كما قتل أخاه هابيل من قبل.
وتوفي آدم(ع) ولهُ من الذريّة من ولده وأولاد ولده العدد الكثير، بعد أن عمّر تسعمائة وستين سنة، ودفن في جبل أبي قبيس، ووجهه إلى الكعبة المشرَّفة على ماذكر في كتب السير. ولم تعمرّ حواء بعد آدم إلاّ قليلاً، عاماً واحداً مرضت بعده وماتت، ودفنت إلى جانب آدم(ع ) 
وفي أيام النبي نوحٍ(ع)، وعندما حصل الطوفان، أوحى الله سبحانه إلى نوحٍ أن يحمل معه في السفينة جثمان أبيه آدم (ع) إلى الكوفة، فحمله إلى ظهر الكوفة، وهو النجف الأشرف، حيث دفنه هناك في المكان المعروف بمرقد نوحٍ(ع)
تابعونى
تويتر
https://twitter.com/#!/kera2at

الحيل النفسية 1


أول هذه الحيل التواضع الوهمي الكاذب.
فيرى الإنسان نفسه ليس أهلا لشيء، لا لعمل ولا لوظيفة ولا لشهادة ولا لإمامة ولا لخطابة ولا لدعوة ولا لتصدر ولا لإدارة ولا لشيء.
يقول يا أخي أنا أعرف نفسي، لا تظن أني متواضع، لا.
الحقيقة لو تعرف ما في نفسي من العيوب لعذرتني وأدركت أنني لا أقول إلا الحقيقة، فدعني ونفسي.
وعبثا تحاول إخراج بعض هؤلاء الناس من تواضعهم الوهمي الذي أصبح يحول بينهم وبين أي عمل.
وليست المشكلة في وجود الشعور نفسه، كون الإنسان يتكلم عن نفسه بازدراء أو احتقار أو يهضم نفسه أو يوبخها، هذا لا شيء فيه بل هو أمر فطري بل المؤمن الصادق هو كذلك، لا يصاب بغرور ولا عجب ولا يرى نفسه شيئا.
وكما قال أبن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيح: (إن المؤمن يرى ذنوبه مثل جبل على رأسه يخشى أن يقع عليه، والمنافق كذباب وقع على وجهه فقال به هكذا بيده فطار).
إذا نحن لا نعيبك أن توبخ نفسك ولا أن تزدري نفسك ولا أن تحتقرها فهذا لا شيء فيه.
ولكن المشكلة أن يتحول هذا الشعور عندك إلى منهج يحكم كل تصرفاتك وأعمالك.
فإذا قلنا لك يا فلان تعال أمسك المسجد وصلي بالمسلمين أو درّس أو أمسك هذه الوظيفة المهمة أو ألف كتابا أو ألقي درسا أو محاضرة أو أمر بمعروف أو أنهى عن منكر، هززت رأسك وقلت:
الله المستعان، لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني، فتحول هذا الشعور إلى عائق وحائل يمنع الإنسان من العمل.
وأنت تجد أن كلام السلف يدل على أن المشكلة ليست في وجود هذا الشعور والكلام، ولكن المشكلة في كونه يتحول إلى ذريعة لترك العمل الصالح.
مثلا أبو الوفاء أبن عقيل – رحمه الله – صاحب كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد وهو من أذكياء العالم، له كلام عجيب في توبيخ نفسه نقله أبن الجوزي في كتاب صيد الخاطر، وقال أبن الجوزي بعد ما وبخ نفسه وذمها وعاتبها قال:
( وقد رأيت الإمام أبو الوفاء أبن عقيل قد ناح على نفسه نحو ما نحت فأعجبتني نياحته فنقلتها ها هنا).
يقول أعجبني صياحه وبكائه على نفسه.
ماذا قال أبو الوفاء؟ قال كلاما طويلا مقصده وخلاصته أن أبا الوفاء أبن عقيل يخاطب نفسه ويقول:
(يا نفس ماذا استفدت من عمرك الطويل؟ استفدت من أن يقال لك أنك إنسان مناظر قوي الحجة لا غير، مثل ما يقال للمصارع المنتصر الغارة (يوصف بهذا الوصف أو يسمى بهذا الاسم).
قال: وعما قليل تترك ذلك في الموت، بل حتى في حياتك لو برز للناس شخص أو شاب افره من وأقوى منك عبارة لربما موهوا له بالقول وركضوا ورائه وتركوك، فماذا انتفعت من قول الناس لك يا مناظر ؟ وأنت تعلم ما في نفسك وما في قلبك.
ثم قال والله ما أعلم في نفسي حسنة أستطيع أن أسأل الله بها فأقول: اللهم إني أسألك كذا بكذا.
مثل اللهم أني أسألك الجنة بأني أقوم الليل أو بأني أصوم النهار أو بصلة رحم مثلا، يقول إني لا أعلم لنفسي حسنة أستطيع أسأل الله بها فأقول اللهم إني أسألك كذا بكذا.
(وعما قليل أموت فيقول الناس مات الرجل الصالح العالم الورع الـ.. الـ..  وولله لو علموا حقيقتي ما دفنوني.)
وكلام من هذا القبيل طويل، كلام ثم قال:
(والله لأنادين على نفسي وأفضحها لعل الله أن يرحمني بذلك).
كلام أبن الجوزي مثلا، وكلا أبو الوفاء أبن عقيل وغيرهم من أهل العلم لعل الكثيرين منكم يفضحون نونية القحطاني:
والله لو علموا قبيح سريرتي ….لأبى السلام علي من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي…ولبؤت بعد كرامة بهواني
إلى آخر قصيدته.
لكن السؤال، أبو الوفاء أبن عقيل وأبن الجوزي والقحطاني ومن قبلهم ومن بعدهم حتى الصحابة رضي الله عنهم لهم في ذلك كلام كثير في ازدراء النفس، هل هذا الشعور جعلهم لا يعملون، لا يجاهدون، لا يأمرون بالمعروف لا ينهون عن المنكر؟   لا.. أبو بكر هو الخليفة وأمور المسلمين كلها في عنقه ومع ذلك كثيرا ما يوبخ نفسه، فإذا مدحوه قال:
(اللهم أغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون).
وكثير ما كان أبو بكر رضي الله عنه يقبل على نفسه فيوبخها ويذمها.
ومثله عمر، خليفة وتعرف عمر ماذا فعل رجل إيجابي من الدرجة الأولى، ومع ذلك عمر كما في الأثر الصحيح كان يقول: (بخٍ بخ يا أبن الخطاب، بالأمس ترعى غنم الخطاب، واليوم أمير المؤمنين، والله لتتقين الله أو ليعذبنك).
إذا فرق بين شعورك بالازدراء والاحتقار لنفسك الذي هو خير وضمانة –إن شاء الله- عن العجب والاغترار وعن حبوط العمل وعن الكبر وعن الغطرسة وعن رد الحق، فرق بين هذا، وبين هذا الاحتقار للنفس الذي هو مدخل من مداخل الشيطان يجعلك لا تقوم بأي عمل صالح ولا تمارس أي دور.
كلام أبو الوفاء أبن عقيل وأبن الجوزي والقحطاني ومن قبلهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفلان وعلان لم يمنع آخرين من أن يتكلموا عن ما وهبهم الله من الخير والنعم.
لأن النعمة يجب أن تشكر، وأول مراحل الشكر للنعمة هو أن تعرف النعمة، يقول الله عز وجل:
(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون).
فأول مراحل الشكر للنعمة المعرفة، فإذا كان الله أعطاك مواهب لابد أن تعرف هذه المواهب حتى تشكرها، ولو جحدتها لكنت منكرا نعمة الله تعالى عليك.
يوسف عليه السلام نبي الله: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم).
ما منعه أن يطالب بأن يكون على خزائن الأرض لأنه يعلم أن الله تعالى قد أختصه بهذه المزايا.
أبن عباس يقول: (أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله (وما يعلم تأويله إلا الله)، وفي قوله تعالى ، (ما يعلمهم إلا قليل)، أنا من القليل الذين يعلمه). لم يمنعه تواضعه أن يقول هذا.
عثمان أبن أبي العاص كما في السنن وهو حديث صحيح: (يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال أنت إمامهم، واقتدي بأضعفهم، وأتخذ مؤذنا لا يأخذ على آذانه أجرا).
فعثمان ابن أبي العاص لم يمنعه تواضعه وهضم نفسه من أن يطلب أن يتولى عملا دينيا وهو الإمامة.
ليس عملا دنيويا إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه، ولكن العمل الديني.
ولهذا الله تعالى وصف المتقين كلهم بأنهم عباد الرحمن بأنهم يقولون:
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
اجعلنا للمتقين إماما، ما طلبوا فقط أن يكونوا من المتقين.
بل طلبوا أن يكونوا أئمة للمتقين، ليسوا أئمة للمؤمنين أو المسلمين فقط، بل للمتقين.
ولا شك أنه من الغبن أن يقول العبد في سجوده، واجعلنا للمتقين إماما، ثم يطلب منه أن يتولى أمر ثلاثة في دعوة أو إصلاح أو قيادة أو توجيه أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ثم ينفض ثوبه ويتنصل ويقول:
لا أستطيع …لا أستطيع.
لأن مقتضى الشرع أن الدعاء يتطلب العمل الصالح، فإذا قلت:
(واجعلنا للمتقين إماما) ينبغي أن تسعى إلى تحقيق الإمامة في الدين. قال الله تعالى:
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
قال سفيان: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين).
ولما قال ربيعة ابن مالك الأسلمي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):
(يا رسول الله أدعو الله أن أكون رفيقك في الجنة، قال أعني بكثرة السجود).
إذاً، إذا دعوت بشيء عزز دعائك بفعل الأسباب، وكما قال عمر رضي الله عنه:
(أخلط مع دعاء العجوز شيئا من القطران).
كانوا يقولون إذا أصاب أبل الصدقة الجرب، نذهب إلى عجوز هناك تدعو فيشفيها الله تعالى، فقال عمر رضي الله عنه:
لا بأس هذا جيد أذهبوا للعجوز لكي تدعو.
ولكن وفي نفس الوقت هاتوا القطران وهو نوع من العلاج اطلوا به هذا الجرب فيزول بأذن الله تعالى.   
 فالسبب لابد من فعله، الدعاء سبب وفعل العمل الصالح من السجود أو السعي إلى الإمامة في الدين بالصبر والتقوى واليقين هو أيضا مطلوب.
وأحيانا تجد أن المعصية أو النقص أو التقصير يتسبب للإنسان في ترك العمل الصالح، وكأنه يظن أنه لا يعمل للخير إلا الكامل فلا يعملون، مع أنك لو نظرت للنص الشرعي وجدت غير هذا.
يا فلان لماذا لا تدعو إلى الله ؟
قال الله المستعان، روائح ذنوبي فاحت.
أنا أستحي أن أقف أمام الناس، أستحي من الله تعالى.
أخجل أن أعظ الناس وأنا أحتاج إلى من يعظني.
طيب يا أخي، الآن أنت عندك مال، هل تزكيه؟
قال نعم أزكيه لأنه بلغ النصاب.
طيب، المال بلغ النصاب تزكيه، لكن ألم تعلم أن العلم عليه زكاة أيضا، وفي نفس الوقت العلم ليس له نصاب، فالرسول عليه الصلاة والسلام بين النصاب في الأموال الزكوية، ولكن بالنسبة للعلم ماذا قال ؟ قال:
(بلغوا عني ولو آية). كما في الصحيح.
آية واحدة فقط أو حديثا.
(نظّر الله امرؤا سمع منا حديثا فبلغه).
آية وحدة أو حديث واحد، من يوجد من المسلمين كلهم من لا يحفظ آية أو يحفظ حديثا؟
فيجب أن تتفطن أن كل قدر من العلم ولو قل عندك عليه زكاة، وأن تقصيرك أنت بفعل المعصية، ليس موجبا بل ولا مبيحا لترك النهي عنه، وتقصيرك بترك الطاعة ليس موجبا بل ولا مبيحا بترك الأمر بها.
بمعنى يجب أن تأمر بالمعروف ولو كنت تاركا له، ويجب أنت تنهى عن المنكر ولو كنت واقعا فيه.
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب….فمن يعظُ العاصين بعد محمدِ
ولا شك في هذا بل هو يكاد يكون إجماعا لأهل العلم.
إذ كونك تركت المعروف بنفسك هذا خطأ، تعالجه بخطاء آخر أنك أيضا لا تأمر به.
وكونك فعلت المنكر هذا خطأ، لكن تعالج هذا الخطاء بخطأ آخر هو أنك لا تنهى عن المنكر.
وأضرب لك مثالا بسيطا:
أنت – وحاشاك إن شاء الله – مبتلى بشرب الدخان لأنك نشأت في بيئة لم تعودك على ترك هذا، فأخذته بالتقليد والعادة وأصبح صعبا عليك تركه بسبب الإدمان.
تزوجت ورزقت بأولاد فوجدت أبن عشر سنوات من أولادك يدخن.
هل تقول حين إذا لا أنهاه لأني أنا مدخن؟
قطعا لا… بل ستقول أمنعه وستتخذ من كونك مدخنا حجة عليه، وستقول له يا ولدي
أنا جربت قبلك وابتليت بهذا الداء الذي أخرج من مالي وأتركه لكن عجزت.
فأنت الآن ما دمت في بداية الطريق أبتعد عن هذا الشيء.
فتستفيد من الخطأ الذي وقعت فيه في نهي الناس.
مع أنك مطالب بترك المعصية ومطالب بفعل الطاعة، ولكن ليس من شروط الأمر بالمعروف أن تكون فاعله.
ولا من شروط النهي عن المنكر أن تكون تركا له.
أما قول الله تعالى:
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).
هذا نعم.. لا شك أنه يوبخ لأن الآمر للناس عالم، وكان مفروضا أن يكون أول الممتثلين، كما قال شعيب عليه السلام:
(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه).
لكن كونك قصرت في هذا لا يبيح لك أن تقصر في الثاني.
مثله قوله عليه السلام كما في حديث أسامة في صحيح البخاري:
(يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى بالنار …إلى قوله كنتم آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).
نقول هذا هل دخل النار لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
كلا…الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنية الصالحة عمل صالح يدخل الجنة ويباعد عن النار، وإنما دخل النار لأنه يفعل المنكر ويترك المعروف.
أو لأنه يأمر وينهى على سبيل النفاق والخداع والتغرير لا على سبيل الصدق والإخلاص والعمل الصالح.
ولإنسان الإيجابي الفعال له منطق آخر.
تجده ممكن يلقي درسا عن قيام الليل وفصل قيام الليل ويرغّب الناس فيه، فإذا قالت له زوجته وهي تعرف أنه لا يقوم الليل، أو قال له زميله الذي يعرف انه لا يقوم الليل:
يا فلان أتحث الناس على قيام الليل وأنت منجعف على فراشك تتقلب، ما تخاف الله ؟ ما تستحي ؟
حاول أن يقوم وبذل الجهد، لكنه يقول في نفسه أيضا ربما قام أحد هؤلاء الناس الذين سمعوا موعظتي فدعا الله سبحانه وتعالى فكنت أنا شريكا في الأجر لأنه قام بسببي، وربما أشركني بدعوة صالحة، والدال على الخير كفاعله.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه)
وفي حديث جرير أبن عبد الله البجلي: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)
فيأخذ الأمر من هذا المنطلق.
أضرب لكم مثالا يسيرا، وإنما اخترته لكثرة تكرره:
رأيت الكثيرين من الشباب، أئمة مساجد وأساتذة، ومدرسين في حلقات، ومشرفين على نشاطات خيرية، تجد الواحد منهم يتبرم من عمله ويتضايق ويهم بالترك حتى كأنه عصفور في قفص، وقد التقيت بالكثيرين منهم فأساله لماذا؟
فيقول عندي عيوب عندي أخطاء، أنا ما أستاهل، أنا..أنا..
وبعدما الغلغه واخرج ما في نفسه أكتشف مثلا أن هذا الإنسان مبتلى بما يسمى بالعادة السرية.
طيب..هذا خطأ وينبغي أن تبذل جهدك للخلاص منه.
ولو لم يكن من سيئاته إلا ما أوجده في قلبك من الضيق والتبرم والحسرة والشقاء والخجل لكان كافيا.
ولكن هذا الذنب حتى مع القول بتحريمه وهو قول كثير من أهل العلم وإن لم يقولوا أنه من كبائر الذنوب بل هو من صغائرها.  هذا الذنب هل يوجب ترك الإمامة وترك الخطابة وترك الدعوة وترك التعليم وترك التوجيه؟
يا أخي ربما يغفر لك بسبب إنسان علمته أو دعوته أو  وجهته أو ركعة ركعتها أو صلاة صليتها بالمسلمين.
وهذا ضرره قاصر على نفسك لا يتعدى إلى غيرك، لكن أعمال الخير التي تقوم به أنت نفعها متعدي إلى الأمة كلها.
فلا يخدعنك الشيطان، يجرك من الأعمال الصالحة بهذه الحجة الواهية.
ثم بعد ذلك لا أنت تركت المعصية أو الذنب الذي أنت واقع فيه ولا أنت قمت بهذه الأعمال الصالحة التي هي تقاوم الإثم والسيئة، والله عز وجل يقول: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
وفي حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
إذا لا بد من النزول للميدان، لابد من المشاركة في الأعمال، لابد من التوكل على الله عز وجل، لابد من العلم الصحيح الذي يضئ للإنسان الطريق ويبين له ما يأخذ وما يدع، ولابد من أن يهتم الإنسان بأمر نفسه ودعوته، فيهتم بموضوع القدوة ويهتم أيضا بموضوع الدعوة، فإذا أراد أن يقوم بعمل من الأعمال الصالحة فإنه يحرص على إتقانها وأدائها.
تابعونى
تويتر
https://twitter.com/#!/kera2at